انعكست الأضواء الناعمة لمعرض الحوش على جدرانه البيضاء بينما كان يستعد لكشف الستار عن معرض ثنائي استثنائي بعنوان “خارج الزمن”. لم يكن مجرد حدث فني، بل كان عالمين متداخلين يتكشفان في مساحة واحدة، حيث سرد كل من رشيد دياب ونديم كوفي قصته الخاصة حول الزمن، والذاكرة، والتجربة الإنسانية.
رشيد دياب، ما وراء الحاضر
داخل القسم الأول من المعرض، عبّر الرسام والطابع السوداني رشيد دياب من خلال اللون، والتكوين، والضوء. كانت شخصياته تتجول عبر مناظر طبيعية مقفرة، متجاوزة اللحظة الحالية، تنتقل عبر سطح اللوحة إلى مستقبلات متخيلة تعكس الواقعين السياسي والعاطفي في السودان. كل ضربة فرشاة حملت ذكرى وطنه، وانسجام ضوئه، وإيقاع شعبه، وشعرية صمته.
ولد في السودان عام 1957، قضى دياب عشرين عامًا في مدريد حيث صقل صوته الفني وأكمل الدكتوراه بعنوان “التقليدي والمعاصر في الفن السوداني”. أعماله، المتجذرة بعمق في التراث الأفريقي ومع ذلك منفتحة على الحوار الحديث، عُرضت في جميع أنحاء العالم من القاهرة إلى تايبيه، ومن إسبانيا إلى كينيا، وحصل على العديد من الجوائز، بما في ذلك صليب وسام الاستحقاق المدني من الملك خوان كارلوس الأول ملك إسبانيا.
يسعى فنه إلى تحديد بنية التعبير السوداني والأفريقي — موازنًا بين التقليد والابتكار، بين التأمل والشمولية. في لوحات دياب، يصبح اللون لغة، ويصبح الزمن نفسه شاهدًا صامتًا.

نديم كوفي، اللغة كفضاء
على النقيض من ذلك، دعا القسم الثاني من المعرض الزوار إلى عالم مبني من الكلمات والحروف والصمت بينها. حوّل الفنان متعدد التخصصات العراقي-الهولندي نديم كوفي الخط العربي إلى منظر بصري وعاطفي. استكشف فنه الهجرة والنزوح والتوازن الهش بين الشرق والغرب، ليخلق جسرًا تأمليًا حيث تتشابك الثقافة والهوية والذاكرة.
تخفي مقاربة كوفي الحدّية طبقات فلسفية عميقة. بالنسبة له، الفن ليس مجرد إبداع بل تأمل — عملية سلمية وفكرية تسائل طريقة إدراكنا للزمن واللغة والذات. تلعب الطبيعة والتكرار والشكل المكتوب جميعها أدوارًا أساسية في أعماله، حيث يحمل كل حرف التاريخ والإمكانات معًا.
يعيش كوفي في هولندا بعيدًا عن مسقط رأسه في بلاد ما بين النهرين، وقد عرض أعماله دوليًا، وشارك في مشاريع وتعاونات تربط الفن بالمجتمع والطبيعة والفكر. تدعو أعماله المشاهدين لرؤية ما وراء المكتوب، لتخيل تراكيب جديدة للمعنى، وللتأمل، حتى ولو لفترة وجيزة، خارج الزمن.

معًا، يصبح معرض “خارج الزمن” حوارًا بين اللون والكلمة، الوطن والمنفى، الماضي والحاضر المعلق.
داخل هذه الجدران، يتلاقى الفنّانان ليذكّرونا بأن الزمن لا يُقاس بالساعات فحسب، بل بلحظات التأمل والخيال والفن.




